هذا هو «هتلر ميانمار»

شارك

وكالة أنباء أراكان ANA | القبس الإلكتروني

عرف الراهب البوذي أشين ويراثو بخطبه المعادية للمسلمين وحكومة أونغ سان سو تشي. فلماذا يشن هذا الراهب هذه الحملة ضد المسلمين في ميانمار، وتشيف واجهت الحكومة خطبه النارية في شحن البوذيين ضد مواطنيهم المسلمين؟
كثر يأتون إلى ساحة ماندلاي للاستماع لخطب هذا الراهب ذي الوجه القاسي، وصاحب الخطب المعادية للإسلام، والتي ما فتئت تُلهب ميانمار. يتهم هذا الراهب الذي يُلقّب بـ«هتلر ميانمار» المسلمين منذ أربعين عاما، بتشكيل طابور خامس، يقول إنه ينبغي القضاء عليه. ففي 2015 وبالتحديد في مدينة ميكتيلا، التقاه محرر مجلة خلال خطبة، تساءل فيها أمام مئات الميانماريين عما إذا كان من الافضل الزواج من متشرد أو مسلم؟
في هذه المنطقة التي تقع وسط البلاد، تم قتل 50 مسلما قبل عامين، لكن ما إن أنهى الراهب سؤاله، حتى رد السكان المتجمعون: «متشرد»، ليضيف «ومن الأفضل الزواج بكلب على الزواج بمسلم»… «نعم كلب، لأن الكلب عكس المسلم، لن يطلب منك أن تغيًر دينك ».
خلال الفترة الأخيرة، لم يعد الراهب البوذي يوجه شتائم لاذعة للمسلمين الذين يلقبون هنا بـ «كالار»، والسبب أنه منع من إلقاء الخطب منذ أحداث 11 سبتمبر من قبل «ماهاها»، وهي أعلى هيئة بوذية في ميانمار.
أُدين ويراثو في صمت، لذلك لم يتمكن من استكمال معركته. وخلال تجمعاته يقوم هذا الراهب بوضع شريط لاصق على فمه، ويبث تسجيلات لخطبه السابقة، ويقول المخرج باربت شرودر الذي أنتج فيلما عن هذا الراهب المتطرف إن ويراثو بدأ اختبار قوة مع الحكومة، وعلى الخصوص المعارضة السابقة أونغ سان سو تشي التي تعمل اليوم مستشارة خاصة للدولة. لقد فهم أن السيدة لا تملك الأدوات الكافية لشن حرب ضده لذلك يتحداها.
لكن كيف يمكن لراهب يفترض أن يدعو للتسامح والحب أن يسقط في فخ الكراهية؟
يكره المسلمين
يُبيّن فيلم شرودر حقيقة تشيف قرًر ابن «السايس» أن يحلق شعره حين كان في الــ17 من عمره. ففي عام 1997 وقع نظر ويراثو على كتيب غريب لا يحمل توقيعا، عنوانه «الخوف من اختفاء العرق». من هذا الكتيب استقى المتدين الشاب أفكاره وفصّل نظريته. وفي الفيلم نراه في صور أرشيفية في 2003، وهو يثير حماسة الشباب في كيوكس مسقط رأسه بقوله «سأعمل حتى لا يجد المسلمون (الكلار) ما يأكلونه، وحتى لا يجدوا أيضا مكانا يعيشون فيه، وسأحتاج لمساعدتكم ».
وجدت هذه الدعوة العنيفة صدى لها، ففي 19 أكتوبر 2003، اندلعت تظاهرات في هذه المدينة الصغيرة القريبة من ماندلاي والحصيلة سقوط 11 قتيلا. أوقفت الطغمة العسكرية ويراثو بتهمة الحض على الكراهية، وأدين بالسجن لمدة 25 عاما، لكن صدر عفو بحقه بعد جلاء العسكر، فهل تاب؟
ليس حقا. وفي هذا الشأن يضيف شرودر «لقد زاد قسوة خلال الشهور الـ99 التي قضاها في السجن وكراهيته تعمقت وزادت»، حيث دعا لمقاطعة التجار المسلمين وأصبح يوزع خطبه على أقراص مضغوطة.
شخصية ويراثو معقدة جدا، وهو قادر على الدعوة لتنفيذ مجزرة ومساعدة عائلة مسلمة في اليوم ذاته، إنه يحمل الماء في يد والنار في اليد الأخرى وفق مثل محلي.
وويراثو نشيط جدا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يُغرق متابعيه بتغريدات عن الخطر الإسلامي، ويحض متابعيه على التظاهر من أجل تطهير العرق، ويتهم المسلمين بارتكاب خروقات أو عمليات قتل من دون أن يأتي بدليل واحد.
استفاد ويراثو خلال سنوات طويلة من اللاعقاب الكامل، ولجنة حماية العرق والدين التي أسسها قبل أربعة أعوام لعبت دورا محوريا في المصادقة على قانون حول الزيجات المختلطة بين الأديان في 2015. ويقول الراهب في الفيلم الذي أنتجه شرودر «من الآن فصاعدا، إن أراد مسلم أن يغير دين امرأة بوذية أو عدّد الزوجات سيواجه بالحبس» .
ويكشف الفيلم أيضا العلاقة الوثيقة بين الراهب المتطرف وتاتماداو، وهو جيش ميانمار، حيث يشرح للمجندين الجدد في كتيبات صغيرة، المشاريع التي تعتزم القوات الإسلامية تنفيذها لغزو البلاد ومخاطر اختفاء العرق الميانماري.
لكن من يوقف ويراثو؟
بعد أن مُنع من إلقاء خطب الى غاية مارس 2018، منع العقلاء البوذيون مؤخرا حركته ماباتا، ورسميا تبرأ الرهبان منه. ويحاول منذ بضعة أسابيع تأسيس حزب سياسي، وهو خبر سيئ للغاية بالنسبة للحكومة التي تقودها الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية، وهو حزب أونغ سان سوتشي التي تواجه حاليا وضعية صعبة. فلأول مرة منذ خمسة أعوام تراجع الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية انخفضت بنسبة 30 في المئة العام الماضي، وفق نيكاي إيجيان ريفيو، وتضاعفت النزاعات مع الاقليات الإثنية تقريبا في كل البلاد كما ان وضع الروهنغيا لم يكن ابدا محل انتقاد مثلما هو عليه الآن.
معاناة الروهنغيا
يتمركز الروهنغيا في ولاية أراكان في غرب ميانمار، وهذه الإثنية التي تعتنق الإسلام وتتحدث اللغة الهندية الأوروبية مضطهدة من قبل الجيش، وتواجه عمليات اغتصاب وقتل، تتطور شيئا فشيئا لتصبح عملية تطهير عرقي وإبادة، وفق شهادات العديد من المنظمات غير الحقوقية، في ظل صمت الحكومة.
فأونغ سان سو تشي لم تزر المنطقة أبدا، وهذه السيدة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام 1991، تعارض أيضا مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة والذي يرغب في إيفاد بعثة إعلامية إلى هذه المنطقة.
تنفي أونغ سان سو تشي الوقائع، وقامت مؤخرا بكتابة منشور تضمن الجملة التالية «إنه عار» تعليقا على اعتداء تعرضت له سيدة تنتمي إلى الروهنغيا.
لقد تم إثبات العديد من عمليات الاغتصاب خاصة من قبل وول ستريت جورنال ورويترز، لكنها لا تزال تتحدث عن اضطرابات وفق شرودر. وخلال مقابلة أجرتها في 8 ديسمبر 2016 مع قناة نيوز إيجيا، قالت أونغ سان سو تشي «لقد نجحنا في مراقبة الوضع، وأنا أُقدّر مساعدة المجموعة الدولية لنا للحفاظ على الأمن عوض إثارة النعرات بين البوذيين والمسلمين الروهنغيا.
لكن هل يمكن أن تبقى هذه السيدة صماء فترة أطول بشأن ما يواجهه الروهنغيا؟ في ديسمبر الماضي وجه عشرات من الحاصلين على جائزة نوبل رسالة إلى مجلس الأمن شجبوا خلالها تصرفات زعيمة المعارضة السابقة والناطقة باسم الرئاسة، وعدم تبنيها اي مبادرة للدفاع عن حقوق الروهنغيا وحماية حقهم في المواطنة، كما ان البعض ذهب الى أبعد من ذلك وطالبها بإعادة جائزة نوبل.
لكن لماذا أصيبت زعيمة المعارضة بالعمى فيما يخص هذه المسالة؟ يشتبه في الدوائر الدبلوماسية أن تكون أونغ سان سوتشي أبرمت اتفاقا مع جنرالات الجيش مضمونه التخلي عن ملف الروهنغيا وعدم التطرق له مقابل حرية التصرف لتنفيذ إصلاحات سياسية، وربما خوفا من اتهامها بإدارة ظهرها للشعب الذي يدين 90 في المئة منه بالبوذية.
وفي بلد الألف «باغودا» أي ألف معبد بوذي تجمع علاقة وثيقة بين الدين والامة، وأن تكون ميانماريا هي أن تكون قبل كل شيء بوذيا، وأما التظاهر بالدفاع عن المسلمين فأمر يثير الامتعاض. وخلال مجازر ميكتيلا، أثارت أونغ سان سو تشي غضب القوميين، وبالدرجة الأولى ويراثو، لأنها دانت عمليات القتل التي تستهدف المسلمين، وقال ويراثو حينها لمجلة لكسبرس «إنها خائنة للأمة»، وحين قتل أحد مستشاريها المقربين ويدعى كو ني في مطار رانغون في 29 يناير الماضي، انتظرت أونغ سان سو تشي شهرا كاملا للحديث في الموضوع، فهل خشيت من أن تشوه سمعتها؟
هذه هي الحقيقة، وهتلر ميانمار يبدو أنه ربح معركته ضد سيدة رانغون.
نصف مليون راهب
يوجد في ميانمار 500 ألف راهب بوذي ينتمون إلى المدرسة البوذية القديمة، وهؤلاء لا يعملون ولا يتلقون مالا، حيث يذهبون كل صباح لتسول غذائهم من السكان. تم قمعهم بعنف في 2007، خلال ثورة الزعفران. وأما الراهب اشين ويراثو فبالرغم من نجاحه في استقطاب سكان ميانمار، فإنه لا يمثل سوى تيار يعد أقلية. وفي مونيستير موزويين في ماندلاي ينتقده كثير من العقلاء الذين لا تعجبهم تنظيراته المتطرفة.

شارك

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.