وكالة أنباء أراكان | خاص
بينما تستمر محاولات الروهينجا للنجاة من المحو والإبادة، يستمر أيضاً سعيهم للحفاظ على ما تبقى لهم من روح لغتهم وثقافتهم، لربما تصحب الأجيال المقبلة من الروهينجا في رحلة إعادة المجد لوطن وتاريخ محاهما الصراع.
تعد اللغة الروهنجية من أقدم اللغات وأكثرها عرضة للانقراض، خاصة مع اقتلاع أكثر من مليون روهنجي من وطنهم بولاية أراكان غربي ميانمار ولجوئهم إلى العيش في بنغلادش وغيرها من الدول منذ 2017 وقبلها، حيث باتوا مجبرين على التخلي عن لغتهم والاندماج في مجتمعاتهم الجديدة واستخدام لغاتها المختلفة.
ومثل لغات أخرى معرضة للانقراض، قد تندثر الروهينجا مع تضاؤل استخدامها على الألسنة وفي الأوساط الرسمية كالمدارس وأماكن العمل، إضافةً إلى هيمنة تقاليد ولغات أخرى عليها مثل الإنجليزية أو اللغات الرسمية لبلدان أخرى، وتتوقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) موت نصف لغات العالم بحلول نهاية القرن الحالي.
اللغة الروهنجية في خطر
مع توقف الآباء عن التحدث باللغة الروهنجية مع أطفالهم، تُنسى الكلمات ويفقد المجتمع الروهنجي القدرة على التواصل مع ماضيه وقراءة تاريخه فيتسارع معدل الفقدان، وهو ما ينتبه إليه عدد من قادة ونشطاء الروهينجا ممن أكدوا هذه المخاطر ويسعون لوقف تقدمها المتسارع.
وقال مدير المجلس الوطني للتعليم الروهنجي في بنغلادش “محمد صالح”، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء أراكان، إن المجلس ملتزم بالحفاظ على اللغة الروهنجية وتعزيزها وتعليمها للآخرين عبر مختلف البرامج التعليمية التي يرعاها، مضيفاً أن المجلس مستمر في جهود للحفاظ على اللغة.
ويرعى المجلس أكثر من 200 مركز تعليمي تخدم أكثر من 200 ألف طالب، وتمكن من نشر كتب حتى الصف الخامس، كما يدرّس صالح بنفسه للطلاب في مدرستين دينيتين في مخيمات “كوكس بازار” كما يشرف على الدروس التي تعقد عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم وفي المدارس ومراكز التعليم بمخيمات اللاجئين في بنغلادش،
وأكد صالح أنه لحماية اللغة الروهنجية يجب على الجميع تبنيها من أفراد ومؤسسات دينية ودمجها في المناهج الدراسية في كل من مراكز التعليم والمدارس الإسلامية، كما يجب ترجمة الكتب من اللغات العربية والإنجليزية والأردية والبورمية إلى اللغة الروهنجية ودراستها.
وصرح لوكالة أنباء أراكان قائلاً “لدينا لغتنا الخاصة، لكن الكثيرين لا يعرفونها أو يجهلونها، ودون الوعي بلغتنا كيف يمكن للآخرين أن يتعرفوا علينا كشعب؟”.
وأوضح محمد صالح أن المجلس تأسس في ميانمار، لكن لم يمكن الكشف عنه بسبب ضغوط حكومة ميانمار على الروهينجا، لكنه بدأ العمل جدياً منذ الانتقال إلى بنغلادش مع نزوح أعداد كبيرة من الروهينجا هرباً من الاضطهاد في ميانمار.
محاولات لإحياء اللغة
يعد التحدي الأكبر للحفاظ على اللغة الروهنجية هو كونها لغة شفهية إلى حد كبير، وتعد أبرز محاولات تدوينها هي كتابتها بالخط الحنيفي، وهو نص موحد في كتابة اللغة الروهنجية ابتكره العالم المسلم محمد حنيف، وكُتب به لأول مرة في القرن 19 بنسخة من الخط الفارسي العربي.
وبينما تعيش أعداد كبيرة من الروهينجا كلاجئين فارين من بلادهم، تعاظمت مخاوف الكثير منهم من اندثار لغتهم الشفهية بسبب تشتتهم في الخارج، ما دفع بعضهم إلى تنفيذ مبادرات متعددة لإيجاد نسخ مكتوبة من اللغة، كان أبرزها مبادرة “مركز الذاكرة الثقافية الروهنجية” لتوزيع كتب باللغة الروهنجية مكتوبة بالخط الحنيفي على أكثر من 500 مدرسة في مخيمات الروهينجا ببنغلادش.
ويقول الناشط “ساهات زيا هيرو” الذي يعمل مع المركز إن استخدام الكتب المترجمة إلى لغة الروهينجا، بالإضافة إلى الكتب التاريخية والسياسية والتعليمية المنشورة بها سيسرع بشكل كبير من عملية تثقيف المجتمع.
وتابع “زيا هيرو”، في تصريحات لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية، قائلاً: “إذا أعطينا الأولوية لتعليم لغتنا وخاصةً للأجيال الشابة، سيمكننا إنقاذ التعليم والهوية الثقافية للأجيال القادمة، وإلا سيواجهون خطر فقدان لغتهم وفرص الحصول على تعليم هادف”.
ويبذل المركز جهوداً لتوفير مساحة لثقافة الروهينجا، ولاستخدام الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يكتب معظم الروهينجا لغتهم باستخدام الحروف الرومانية أو البورمية.
المخاوف متجذرة
ولا يشعر الخبراء فقط بمخاطر اندثار لغة الروهينجا، إذ تتسلل تلك المخاوف لقلوب الكثير من لاجئي الروهينجا في بنغلادش ممن يرون لغتهم تنحسر عن الألسنة، وخاصةً الأجيال الجديدة من الأطفال الذين ولدوا خارج وطنهم في مخيمات اللجوء ولم تزر اللغة آذانهم قط.
ويقول اللاجئ الروهنجي في بنغلادش ضياء الحسن “عندما سألت عن وضع لغتنا قيل لي إنها معرضة للاندثار، ولأننا نعيش في بنغلادش ونعمل مع المجتمعات المحلية ونندمج معها فإن لغتنا الأم تتلاشى تدريجياً، وإذا بقينا على هذا الوضع دون تحرك فهناك احتمال حقيقي لزوال لغتنا خلال 10 إلى 15 عاماً”.
وأكد ضياء الحسن، لوكالة أنباء أراكان، أن مسؤولية الحفاظ على لغة الروهينجا تقع عليهم أنفسهم، وأنه يجب عليهم التحرك بسرعة وتعليمها للأبناء وتعريفهم بقيمتها الكبرى حتى لا تندثر أبداً مع تقدم الأجيال.
وتابع أنه على مثقفي الروهينجا بذل المزيد من الجهود لحماية اللغة والتراث الروهنجي، مضيفاً أنه يجب توثيق تاريخ اللغة وتأليف الكتب وتنظيم حملات توعية واسعة النطاق، إضافةً إلى تنظيم العروض والبرامج المجتمعية.
وصرح “لغتنا جزء أساسي من هويتنا، وإذا فقدناها، فإننا نخاطر بفقدان ثقافتنا وتراثنا وشعورنا بالانتماء، لذلك يجب علينا اتخاذ إجراءات فورية لحمايتها وتطويرها منا أجل الأجيال القادمة”.
ولا زال الروهينجا يعيشون مشتتين في بلدان اللجوء بعدما اضطر ما يزيد على مليون منهم للفرار من وطنهم جراء تعرضهم لحملة قمع من قبل جيش ميانمار في 2017 وصفت على نطاق دولي واسع بأنها “حملة إبادة جماعية ممنهجة” بحقهم، فيما لا زالت موجات نزوحهم مستمرة جراء تعرضهم لمارسات وانتهاكات جيش أراكان (الانفصالي) الذي بات يسيطر على معظم أنحاء ولاية أراكان، موطنهم الأساسي في ميانمار، ويضيق على سبل معيشتهم وتحركاتهم.