عام جديد بلا وطن.. الروهينجا على أعتاب 2026 بين منفى دائم وتراجع الأمل الدولي

مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
مجموعة من لاجئي الروهينجا في أحد مخيمات منطقة "كوكس بازار" في بنغلادش (صورة: The Independent)
شارك

بينما تُضاء سماء العواصم العالمية بالألعاب النارية احتفالاً بعام 2026، تخيّم الظلمة والترقّب على تلال كوكس بازار جنوب شرقي بنغلادش، حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا، لا يُمثّل العام الجديد بداية مختلفة لهم بقدر ما يُجسّد استمرار أزمة وجودية طويلة، دخلت عقدها التاسع من الاضطهاد والتهجير القسري، وسط تراجع الاهتمام الدولي وتفاقم التحديات الإنسانية.

آراء جيل معاصر

صالح أحمد

عام جديد بلا وطن: الروهينجا على أعتاب 2026 بين منفى دائم وتراجع الأمل الدولي
الطالب الروهنجي صالح أحمد (صورة: ANA)

يرى صالح أحمد، وهو أحد طلاب الروهينجا داخل مخيمات كوكس بازار، أن العام الجديد لا يحمل للاجئين معنى البداية بقدر ما يعكس استمرار المنفى، مؤكداً أن مرور السنوات لم يغيّر من واقع غياب الجنسية والوطن، وأن الروهينجا يستقبلون 2026 بالصمود لا بالاحتفال.

ويشير “صالح” إلى أن تمسكهم بالأمل نابع من كونه وسيلة للبقاء، لا رفاهية، مع استمرار إيمانهم بالقانون الدولي وبوعود الأمم المتحدة، لكنه يشدد أيضاً على أن الأمل وحده غير كافٍ في ظل غياب العدالة.

ياسر عرفات
يصف الطالب ياسر عرفات، الحياة داخل المخيمات بأنها قائمة على الهشاشة وعدم اليقين، حيث يعيش أكثر من مليون لاجئ في ظروف اكتظاظ شديد.

ويوضح أن الأطفال يكبرون دون تعليم رسمي، فيما يواجه الشباب انعدام فرص العمل وتنمية المهارات، وتتعرض النساء والفتيات لمخاطر متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

الطالب الروهينجي صالح أحمد
الطالب الروهنجي ياسر عرفات (صورة ANA)

ويحذر “ياسر” من التهديدات البيئية المتكررة مثل الحرائق والفيضانات، مؤكداً أن صمود مجتمع الروهينجا لا ينبغي أن يُفهم كحل دائم، لأن المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تعوّض غياب الحقوق والعدالة.

أبو بكر صديق
يؤكد الطالب أبو بكر صديق، أن أزمة الروهينجا تجاوزت كونها أزمة إنسانية لتصبح قضية تمس السلم والأمن الدوليين، ويطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية عبر محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، ودعم المسارات القضائية الدولية، والعمل الجاد لتهيئة ظروف عودة آمنة وطوعية وكريمة إلى ميانمار.

ويشدد “أبو بكر” على ضرورة الاعتراف بهوية الروهينجا وحقوقهم المتساوية، محذراً من أن تطبيع النزوح والإفلات من العقاب يقوض مصداقية النظام الدولي بأسره.

مخيمات مكتظة

وفقاً لأحدث بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تستضيف كوكس بازار أكثر من 1.02 مليون لاجئ روهنجي، يشكّل الأطفال والنساء ما يزيد على 70% منهم.

الطالب الروهينجي صالح أحمد
الطالب الروهنجي أبو بكر صديق (صورة: ANA)

وتشير المفوضية إلى أن نحو 52% من اللاجئين دون سن الثامنة عشرة، في واحدة من أعلى نسب الأطفال في أزمات اللجوء حول العالم.

وتؤكد أن الغالبية العظمى من اللاجئين ما زالوا بلا وضع قانوني مستقر، ويعيشون في مخيمات شديدة الاكتظاظ، بمتوسط كثافة سكانية تتجاوز 40 ألف شخص في الكيلومتر المربع، ما يجعلها من أكثر المناطق هشاشة في العالم من حيث الحماية والخدمات.

جوع متفاقم

يحذر برنامج الأغذية العالمي (WFP) من أن أزمة الأمن الغذائي دخلت في 2026 مرحلة حرجة، فبحسب تقاريره الرسمية، يعتمد أكثر من 95% من لاجئي الروهينجا اعتماداً كلياً على المساعدات الغذائية.

ومع ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وتزايد تكاليف النقل والطاقة، تراجعت القيمة الحقيقية للحصص الغذائية إلى مستويات لا تغطي سوى الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية.

وتقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 12% من الأطفال الروهينجا يعانون من سوء تغذية حاد، فيما يواجه ما يقرب من 40% من الأسر انعداماً حاداً أو متوسطاً في الأمن الغذائي، ما يهدد بانتشار أمراض مرتبطة بالجوع ونقص المناعة خلال العام الجديد.

جيل بلا تعليم

تصف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وضع التعليم في المخيمات بأنه “أزمة صامتة”، فبحسب بياناتها، هناك أكثر من 450 ألف طفل روهنجي في سن الدراسة لا يحصلون على تعليم رسمي معترف به.

ورغم وجود مراكز تعليمية غير نظامية، فإن غياب المناهج المعتمدة والقيود المفروضة على التعليم الثانوي يحرم جيلاً كاملاً من فرص المستقبل.

وتشير يونيسف إلى أن أقل من 10% من المراهقين الروهينجا تتاح لهم فرص تعليم أو تدريب مهني، ما يرفع مخاطر عمالة الأطفال، والتجنيد، والهجرة غير النظامية.

صحة مهددة

الطالب الروهينجي صالح أحمد
معاناة الروهينجا في المخيمات

تؤكد منظمة الصحة العالمية (WHO) أن النظام الصحي في مخيمات كوكس بازار يعمل فوق طاقته القصوى، فهناك طبيب واحد لكل ما يقرب من 25 ألف لاجئ، وهو معدل يقل بكثير عن الحد الأدنى الموصى به دولياً.

وتفيد تقارير أممية بارتفاع معدلات الأمراض المعدية، مثل الكوليرا وحمى الضنك والتهابات الجهاز التنفسي، إضافة إلى أزمة متفاقمة في الصحة النفسية، حيث يعاني عشرات الآلاف من اضطرابات ناتجة عن الصدمات والعنف الذي تعرضوا له في ميانمار وخلال رحلة النزوح.

أزمة تمويل

تشير الأمم المتحدة إلى أن خطة الاستجابة المشتركة للاجئي الروهينجا لعام 2025 لم تحصل إلا على نحو 40% من التمويل المطلوب، مع مخاوف جدية من تراجع إضافي في 2026.

ويؤكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أزمة الروهينجا تُعد من أكثر الأزمات الإنسانية نقصاً في التمويل عالمياً، رغم حجمها وتعقيدها.

هذا العجز المالي يهدد بتقليص خدمات أساسية، تشمل الغذاء، والرعاية الصحية، والحماية، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات بوتيرة متسارعة.

رحلات الموت

تحذّر المنظمة الدولية للهجرة (IOM) من أن عام 2026 قد يشهد تصاعداً خطيراً في محاولات الهجرة البحرية غير النظامية للاجئي الروهينجا، ووفقاً لبياناتها، لقي المئات حتفهم خلال السنوات الأخيرة في ما يُعرف بـ”رحلات الموت” عبر خليج البنغال وبحر أندامان.

ومع انسداد الأفق داخل المخيمات وتراجع المساعدات، ترى المنظمة أن آلاف اللاجئين قد يلجأون مجدداً إلى البحر، رغم المخاطر القاتلة، بحثاً عن ملاذ في دول جنوب شرق آسيا.

انتهاكات مستمرة

عام جديد بلا وطن: الروهينجا على أعتاب 2026 بين منفى دائم وتراجع الأمل الدولي
أطفال ونساء الروهينجا في وضع مأساوي مستمر

تؤكد منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما فيها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، أن جذور الأزمة ما زالت قائمة داخل ميانمار، فسياسات التمييز الممنهج، وحرمان الروهينجا من الجنسية، واستمرار الانتهاكات في ولاية أراكان، تجعل أي حديث عن عودة قريبة وآمنة أمراً غير واقعي.

وتشدد هذه المنظمات على أن غياب المساءلة عن الجرائم المرتكبة، رغم القضايا المنظورة أمام محكمة العدل الدولية، يكرّس الإفلات من العقاب ويُطيل أمد معاناة اللاجئين.

وكانت موجة الهروب الكبرى للروهينجا من ولاية أراكان غربي ميانمار  قد بدأت في أغسطس 2017، عقب شنّ جيش ميانمار (المجلس العسكري الحاكم ) حملة عسكرية واسعة النطاق استهدفت القرى الروهينجية، وُصفت من قبل الأمم المتحدة ومنظمات دولية مستقلة بأنها حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية.

وتعود جذور الأزمة إلى عقود من الاضطهاد الممنهج ضد الروهينجا، الذين حُرموا من الجنسية بموجب قانون المواطنة لعام 1982، وتعرضوا لقيود مشددة على الحركة والتعليم والعمل والرعاية الصحية، إضافة إلى حملات عنف متكررة منذ عام 2012.

 

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.