وكالة أنباء أراكان
كشف تحقيق نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية، الأحد، كيف خططت الهند ونفذت لعملية ترحيل قسري لأربعين لاجئاً من الروهينجا إلى ميانمار عبر إلقائهم في المياه الدولية في مايو الماضي، بعدما جمعتعم بدعوى جمع البيانات البيومترية.
ونقلت الشبكة تفاصيل ما تعرض له اللاجئون على لسان أقاربهم الذين لا زالوا في الهند، ومن بينهم قصة شابة روهنجية تدعى أسماء وتبلغ من العمر 20 عاماً، قال والدها، ويدعى محمد إسماعيل، للشبكة إنه تم خداعها وترحيلها قسراً من الهند إلى ميانمار قبل أيام قليلة من حفل زفافها، كما تم ترحيل شقيقته أيضاً، إضافةً إلى آخرين.
وفرت الأسرة من ميانمار إلى الهند قبل ثماني سنوات، حيث عمل الأب جامعاً للقمامة وذهبت أسماء إلى المدرسة في “نيودلهي”، لكن قبل أيام من زفافها طُلب منها ومن 39 لاجئاً روهنجياً آخرين بالمدينة التوجه إلى السلطات الهندية لتقديم معلوماتهم البيومترية من أجل بطاقات الهوية الجديدة ثم اختفوا.

أوضحت الشبكة أن مصير اللاجئين لم يتبين إلا بعد مرور ثلاثة أيام كاملة، حيث تمكن الأهالي من إجراء مكالمة هاتفية مع اللاجئي، ليتبين أنه تم وضعهم على متن طائرة ثم إجبارهم على ركوب قارب معصوبي الأعين قبل أن يُدفعوا في مياه المحيط الهندي ويطلب منهم السباحة نحو أقرب شاطئ وكان ذلك شاطئ ميانمار.
وكشف التحقيق المستند إلى شهادات من الهند وميانمار وبنغلادش، والمدعوم ببيانات الرحلات الجوية والشحن البحري، أن الحكومة الهندية قامت سراً بجمع وترحيل 13 امرأة و27 رجلاً، دون الإجراءات القانونية الواجبة وبما يخالف القوانين الهندية، إلى بلد هم “مكروهون” فيه على نطاق واسع، وأوضحت “سي إن إن” أنها تواصلت مع عدة جهات حكومية ومؤسسات تابعة للسلطات الهندية لكنها لم تتلق أي رد.
وخلال مقابلته مع الشبكة، قال محمد إن ابنته وشقيقته كانتا من بين المرحلين، وإنه لم يسمع أي أنباء عنهما منذ ترحيلهما قبل أربعة أشهر أي خبر، وتابع “لم أفعل شيئاً خاطئاً، لقد جئت فقط لأطلب اللجوء… كيف يمكنهم أن يأخذوا ابنتي مني؟ إذا كان لا بد من ترحيلنا، كان يجب أن يرحلونا معاً”.
وقال روهنجي آخر يدعى “جون أنور”، احتجز في اليوم نفسه، تفاصيل مماثلة عبر مكالمة هاتفية أجراها مع شقيقه بعد وصوله إلى ميانمار وشارك شقيقه التسجيل الخاص بها، وقال أنور في التسجيل إنهم أُخذوا لإجراء فحص طبي بعد أخذ بصماتهم البيومترية، وأضاف “أدركنا أن هناك شيئاً خاطئاً لأنهم لم يسبق لهم أن أجروا فحصاً طبياً عند أخذ المعلومات البيومترية من قبل”، وأوضحت الشبكة أنه بعد ذلك بفترة قصيرة نقلوا إلى مطار، مشيرةً إلى التفاصيل نفسها وردت في مكالمة هاتفية منفصلة أجراها فرد آخر من المجموعة مع شقيقه ويدعى “نور الأمين”.

وقال “نور الأمين” في مقابلة مع الشبكة إن شقيقه أخبره أن الرحلة استمرت حوالي ثلاث ساعات ونصف، وعندما هبطت الطائرة لمح لافتة مكتوب عليها “بورت بلير” في جزر أندمان وتعد نقطة وسط تقريباً بين الهند وميانمار، ولفتت الشبكة إلى أن مدة الرحلة التي أشار إليها اللاجئ تطابق المدة الزمنية لرحلات الطيران التجارية المنتظمة من نيودلهي إلى “بورت بلير”.
أرقام وإشارات
وتشير بيانات تتبع الرحلات التي راجعتها “سي إن إن” إلى أن طائرة ركاب من طراز إيرباص A321-211 أقلعت من مطار “غازي آباد” الواقع خارج نيودلهي حوالي الساعة 2:20 ظهراً يوم 7 مايو، ووفق لسجل رحلاتها، أقلعت وهبطت في غازي آباد بإجمالي وقت طيران قدره 7 ساعات و37 دقيقة، وتُظهر تحليلات “سي إن إن” للبيانات أن الطائرة حلقت في اتجاه جنوب شرقي لمدة حوالي ثلاث ساعات ونصف، وتم إيقاف جهاز الإرسال للطائرة عندما كانت على بعد نحو 50 ميلاً من جزر “أندامان”.
وبعد حوالي 50 دقيقة، أعيد تشغيل الجهاز وكان يظهر الطائرة تعود إلى البر الرئيسي الهندي، وبحسب موقع Flightradar24 لتتبع الرحلات، فإن هذه الطائرة تشغلها منظمة البحث والتطوير الدفاعي الهندية (DRDO)، وهي فرع من وزارة الدفاع الهندية، وقد تواصلت “سي إن إن” مع المنظمة للتعليق على الرحلة لكنها لم تتلق أي رد.
وعلى بعد خطوات قليلة من مطار “بورت بلير” يقع الميناء الرئيسي الذي يخدم جزر “أندامان”، وتظهر بيانات الأقمار الصناعية والسجلات المتاحة للعموم أن الميناء يحتوي على عدة أرصفة تخدم السفن العسكرية، وحرس السواحل والسفن التجارية، بما في ذلك العبارات للركاب.
وقال اللاجئ لشقيقه إن المجموعة نقلت إلى سفينة بيضاء كبيرة ذات طابقين بعد مغادرتها الطائرة، لكنه لم يتمكن من تحديد اسم أو نوع السفينة، وتابع أنه تم تغميض أعين المجموعة وتعرضوا للتهديد من رجال يحملون أسلحة أبلغوهم أنهم سيطلقون النار على من يرفع رأسه، وأضاف “قال أحد الضباط، حياتكم لا تساوي شيئاً أنتم لا تملكون وطناً حتى لو قتلناكم لن يعترض أحد”، وإنه بعد عدة ساعات تم تقسيمهم إلى قاربين أصغر، وبعد حوالي أربع ساعات توقفت القوارب في الظلام بعيداً جداً عن اليابسة لكنهم ربطوا حبلاً بشجرة على الشاطئ وأمروهم بالنزول إلى الماء.
ووفق “سي إن إن” أفادت بيانات نظام التعرف التلقائي (AIS) المستخرجة من موقع VesselFinder بمغادرة 24 سفينة مدنية مساء 7 مايو وصباح 9 مايو، بينها 12 سفينة ركاب من ميناء “بورت بلير”، لكن البيانات تُظهر أن أياً من هذه السفن لم تتجه نحو ميانمار التي تبعد سواحلها الأقرب قرابة 300 ميل خلال تلك الفترة، ولا تتوفر بيانات AIS الخاصة بسفن البحرية الهندية للعامة.
وتواصلت شبكة “سي إن إن” مع قيادة جزر أندامان ونيكوبار التابعة للجيش الهندي، التي تتولى المسؤولية عن المنطقة، ومع المشرف الرئيسي على ميناء بورت بلير ولم يرد أي منهما على طلبات التعليق.
وأفاد تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أن السلطات الهندية رحلت عشرات الروهينجا إلى بنغلادش وميانمار منذ مايو الماضي دون حماية قانونية بينما احتجزت المئات تعسفياً، فيما أكدت تقارير إعلامية عديدة حادث إلقاء الروهينجا في المياه الدولية في مايو ورصدت عمليات دفع الروهينجا قسراً عبر الحدود إلى بنغلادش بشكل مستمر.
ولا تملك الهند سياسة وطنية أو قانوناً بشأن وضع اللاجئين ومعاملتهم، كما أنها ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ويقدر عدد الروهينجا في الهند بنحو 40 ألفاً أكثر من نصفهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.