وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يوما بعد يوم، وفي غياب أي تسوية حقيقية لمأساتهم، تزداد معاناة اللاجئين من أبناء طائفة الروهنغيا الذين فروا من ميانمار إلى بنغلادش بسبب أعمال القمع والتنكيل والاضطهاد التي يتعرضون لها على أيدي قوات الجيش هناك، ومع ازدياد المعاناة ، تزداد أعداد هؤلاء اللاجئين والتي قدرتها آخر الإحصاءات الدولية بأكثر من مليون شخص منذ أغسطس من العام الماضي، يعيشون في مخيمات بائسة أقيمت لهم على الحدود في بنغلادش. وتقول المصادر الدولية إن ثمانية آلاف من اللاجئين الجدد من الروهنغيا يصلون إلى بنغلادش أسبوعيا، وأكدت أن تمويل خطة الاستجابة الإنسانية المشتركة لأزمة الروهنغيا، التي تم إطلاقها منتصف مارس الماضي، بكلفة إجمالية تقدر بـ951 مليون دولار، لم تتم تغطيتها إلا بنحو 9 بالمائة فقط ، الأمر الذي يزيد المهمة الإنسانية صعوبة وتعقيدا.
وعلى الرغم من مرور حوالي عام على معاناة هؤلاء اللاجئين، وكثرة الحديث والتصريحات والاتفاقات الخاصة بعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها قسرا وبالعنف المفرط، إلا أنهم لازالوا يعيشون في ظروف مأساوية، ولا تلوح في الأفق أية مؤشرات على قرب الوصول إلى نهاية حقيقية وتسوية مقبولة لمأساة الروهنغيا، الذين وصفتهم الأوساط الدولية والحقوقية بأنهم الشعب الأكثر حرماناً في العالم، والأقل حظاً وأصدقاءً على وجه الكرة الأرضية.
ويتركز المسلمون في ميانمار في إقليم أراكان، ويقدر عددهم بمليونين ونصف المليون إنسان وسط أغلبية بوذية يزيد عددها على خمسين مليونا، ومنذ الانقلاب العسكري في ميانمار عام 1962 حرم العسكريون هناك الروهنغيا من كافة حقوقهم، كما حظروا عليهم التعليم والبث الإذاعي باللغة الرُوهنغية فضلا عن حرمانهم من الرعاية الصحية، وسحبوا منهم جنسياتهم، وقاموا بطردهم وتهجيرهم إلى الخارج على أنهم أجانب دخلاء غير شرعيين تسللوا إلى ميانمار من بنغلادش المجاورة، وخضع الكثير من أبناء هذه الطائفة للتعذيب والمعاملة القاسية والعقوبات المفرطة والاعتقال التعسفي والقتل دون محاكمة، كما تعرّض المسلمون في ميانمار لأشد أنواع الانتهاكات على يدِ جماعاتٍ بوذيةٍ مُتطرّفة دون أن توفّر الحكومة لهم الحماية. وإلى جانب إنكار الجنسية، تمنع حكومة ميانمار الروهنغيا من السفر بحرية للخارج دون إذن.
وكانت موجة العنف الأخيرة قد بدأت في أغسطس الماضي عندما شنت قوات الأمن في ميانمار حملة عرفت بحملة الأرض المحروقة ضد قرى الروهنغيا، وذلك بدعوى الرد على هجمات مسلحة تعرضت لها نقاط أمنية في تلك المنطقة.
وعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة ونداءاتها المتكررة، وتصريحات واحتجاجات واستنكارات دول العالم على أعمال القتل والتشريد والدمار، الذي تقوم به قوات ميانمار ضد طائفة الروهنغيا، فما زالت تلك القوات تعيث فسادا وإجراما في مناطقهم، حيث أحرقت مساكنهم، مما اضطر حوالي مليون نسمة منهم إلى اللجوء إلى جمهورية بنغلادش المجاورة، إلى جانب الآلاف الذين هاموا على وجوههم في دول قريبة منهم، للنجاة بأرواحهم.
ورحلة الوصول إلى بنغلادش ليست سهلة ولا آمنة، بل هي رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر ، وقد دفع الآلاف من أبناء الروهنغيا أرواحهم خلال هذه الرحلة التي قد تستغرق أكثر من أسبوعين عبر الأدغال والغابات وحواجز الجيش في ميانمار والميليشيات المسلحة بالبنادق والسكاكين.
ومع ارتفاع حدة اليأس في أوساط لاجئي الروهنغيا بدأ موسم الأمطار والأعاصير يداهم مخيماتهم في جنوب شرق بنغلادش وهي إحدى أكثر الدول عرضة للفيضانات على وجه الأرض. ولا يقتصر أمر المخاطر على مسألة الفيضانات بل يتعداه إلى الأعاصير التي تضرب تلك المناطق كل عام ، وقد تسببت رياح عاتية في اقتلاع عدد من خيام هؤلاء اللاجئين مؤخرا، وقد تسببت في السابق في مقتل عشرات الآلاف من البشر، وتركت الملايين دون مأوى.
ووفق مصادر وكالات الإغاثة الدولية فإن الأعاصير والفيضانات تهدد في الوقت الحالي أكثر من 700 ألف من لاجئي الروهنغيا الذين يعيشون وينامون في خيام مصنوعة من القماش والبوص، لا تحميهم من حر الصيف ولا الأمطار والأعاصير العنيفة.
وتشير تقديرات وكالات الإغاثة إلى أن ما يقرب من مائتي ألف لاجئ آخرين معرضون لخطر مباشر من الانهيارات الأرضية أو الفيضانات وهم بحاجة لتنفيذ عمليات إجلاء عاجلة لهم من تلك المناطق، لكن لا توجد مناطق مناسبة للقيام بمثل هذا الإجلاء .
وكانت أول موجة من الأمطار الغزيرة قد داهمت المنطقة في الأسبوع الماضي ، وهو ما حمل وكالات الإغاثة لدق جرس الإنذار بعد أن غمرت المياه الطرق الترابية التي تعتبر شرايين الحياة التي تزود قاطني تلك المخيمات بالطعام والوقود علما بأن التجارب المريرة مع الأمطار والفيضانات علمت بنغلادش كيفية إدارة الأزمات الناجمة وتقليل الخسائر البشرية والمادية، وذلك من خلال الانتقال إلى أرض مرتفعة والاحتماء في ملاجئ حصينة وهما أمران لا يتوفران في مخيمات الروهنغيا التي باتت أشبه بمراكز اعتقال ضخمة تحيط بها نقاط التفتيش العسكرية للمحافظة على أمنها وسير الحياة فيها.
وعقب الفشل في تطبيق اتفاق عودة لاجئي الروهنغيا إلى بلدهم حسبما تم الاتفاق بين ميانمار وبنغلادش في ديسمبر الماضي، وصلت بعثة من مجلس الأمن الدولي إلى مدينة “كوكس بازار” الساحلية في بنغلادش أمس لزيارة مخيمات الروهنغيا ومناقشة أزمتهم مع السلطات المحلية، كما تهدف الزيارة لمواصلة الضغط على حكومة ميانمار لضمان السلامة والعودة الطوعية الآمنة للاجئين إلى ديارهم.
ويرى المحللون أن أي تسوية عادلة لقضية الروهنغيا تتطلب بين أمور أخرى، اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة الأسباب الجذرية للحرمان والتمييز الذي يتعرضون له ، واتخاذ خطوات حازمة لإنهاء العنف بحقهم، وتنقيح واستبدال جميع السياسات التمييزية التي تمارسها سلطات ميانمار ضدهم، وضمان العودة الطوعية للاجئين الروهنغيا في ظروف آمنة وسلمية، مع ضمان سبل العيش الكريم لهم في وطنهم الأم بإقليم أراكان.