الروهنغيا: الفرار من الإبادة إلى الإبادة

شارك

وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات

يحمل قلبه بين يديه عاريا، أضناه طول المسير وأرهقته عثرات الطريق، رسم الوحل على جسده لوحة الألم، وخط في آثار أقدامه قصة يحكيها التاريخ، زوج في العقد الثالث من العمر، بان بياض شيبته للعلن حين أبيدت حياة زوجته أمام عينيه، وأب واصل رحلة الهروب مع ذلك البريء الذي يبحث عن الدفء، فيتشبث في ثيابه المبللة بيديه الصغيرتين، طفله لم يتجاوز الستة أشهر، جوع، عطش، خوف وألم، ذبلت عيناه من شدة البكاء حتى خفت صوته بل اختفى، الوالد لا يعرف أن ابنه قد نام نومته الأبدية، معلنا رفضه العيش يتيما مشردا بلا هوية.

ميانمار تاريخ الحكومات الأسود
ميانمار دولة بدائية، هي إحدى دول جنوب شرق آسيا على امتداد حدود البنغال، وقد انفصلت عن الهند في عام 1937م بعد اقتراع حول الاستقلال، ويشترك بحدودها بشكل كبير دولتا تايلند ولاوس، وعدد سكانها يقارب 50 مليون نسمة بسماحة تبلغ 680 ألف كم²، ويتراوح عدد مسلمي ميانمار بين خمسة إلى ثمانية ملايين مُسلم من أصل نحو خمسين مليون نسمة من السكان.

أجبر نحو مليون منهم على الفرار إلى مخيمات اللاجئين، عبر الحدود إلى بنغلادش بعد موجات متتالية من القمع والاضطهاد.

عضو مجلس حقوق الإنسان في ميانمار عمر فاروق قال في لقاء متلفز: إن أزمة تهجير مسلمي “الروهنغيا” بدأت منذ عام 1986، أدت إلى فرار نحو مليون منهم، تركوا موطنهم بسبب التعذيب والتطهير العرقي، وأضاف فاروق “أن مسلمي الروهنغيا كانوا يمثلون في القدم 40% مقابل 60% للبوذيين في ميانمار”

وتذكر تقارير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان التي نشرت بين مايو 1991 ومارس 1992، فرار أكثر من 260،000 من الروهنغيا خارج البلاد، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها الجيش الميانماري من مصادرة الأراضي والاغتصاب والتعذيب، انتهاءً بالإعدامات دون محاكمة، وفي عام 2012 ازداد الأمر سوءا خصوصا بعد انتقال الحكم من العسكري إلى الديمقراطي في الجمهورية، واضطر الآلاف إلى الفرار عبر الأنهار والبحار، وبعد أن شددت تايلاند وماليزيا إجراءاتها الأمنية في المناطق التي يعمل بها المهربون منذ عام 2015 ترك المهربون آلاف الروهنغيا عالقين في القوارب في وسط البحر.

وفي أوائل عام 2016 تم تجريد الروهنغيا من حق التصويت أو الترشح في الانتخابات التي جرت في وقت لاحق من ذلك العام، وقد ضغط حزب أراكان الوطني، وهو حزب يضم البوذيين الماغ في أراكان وتشكل عام 2015من أجل تلك الخطوة.

وأجبر آخر موجات القمع نحو 700 ألف من الروهنغيا على الفرار منذ اب/اغسطس الماضي عندما شن الجيش حملة عنف تقول الأمم المتحدة إنها تصل إلى مستوى “الإبادة العرقية”.

انتهاك متواتر
من بين صور الإبادة الجماعية وحرق الأحياء والمنازل، وصور الهجرة عبر آلاف الأميال سيرا على الأقدام ، تشدك أكثرها انتهاكا للإنسانية أطفال رضع يفتقدون إلى أبسط حقوق الطفل، التي لا تميز بين طفل وآخر لأنه لا يعرف التبعية بعد، وبين كهول احدودبت أجسادهم من تعب السنين والانحناء للزراعة وحصاد لقمة عيشهم وعوائلهم، كهل تجاوز السبعين من عمره يحمل على ظهره امرأته العجوز تبدو أنها مقعدة، تجاعيد وجهها لوحة تجريدية تعبر عن صعوبة ماضيها، يسيرون عبر نهر من وحل مع الآلاف من المشردين، مستشار الأمم المتحدة الخاص بشأن الإبادة الجماعية في ميانمار أداما ديين ، قال إن جرائم التعذيب التي تعرضت لها الأقلية المسلمة تصل إلى حد الإبادة الجماعية، وتحمل بصمات حكومة ميانمار والمجتمع الدولي.

وأمضى أداما ديين أسبوعا في بنغلادش لتقييم وضع نحو 700 ألف من الروهنغيا الذين هربوا عبر الحدود من ميانمار وقال إنه سمع” قصصا مروعة“ خلال رحلته.

وبين السبب للانتهاكات التي يتعرض لها سكان ميانمار” تعرض الروهنغيا المسلمون للقتل والتعذيب والاغتصاب والحرق أحياء والإهانة لسبب واحد فقط هو انتماؤهم العرقي“.

وأضاف ديين” كل المعلومات التي تلقيتها تشير إلى أن نية الجناة في تطهير شمال ولاية أراكان من وجودهم بل وربما تدمير الروهنغيا وإذا ثبت ذلك فإن هذا سيمثل جريمة إبادة جماعية”.

ودعا مجلس الأمن الدولي “لدراسة خيارات مختلفة فيما يتعلق بالمحاسبة”.

التجويع سياسة ممنهجة
إن من الوسائل المستخدمة في الصراعات البشرية في القرن الحالي سياسة التجويع، التي تعد من أشد الانتهاكات على الإنسانية، وتهديداً كبيرا للوجود البشري وبالخصوص الأقليات، بعيدا عن أيديولوجية التنفيذ ومذهبية الأسباب لتلك العمليات، إذ أنها تعبر عن الانحطاط الأخلاقي والشعور غير الإنساني للأنظمة الحاكمة، وهي من الأساليب ذات الانعكاس السلبي ذلك بتوطين روح الطائفية والحقد بين المجاميع باختلاف توجهاتهم الدينية والعرقية.

مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في ميانمار يانغي لي قالت ” إن حكومة ميانمار تمارس فيما يبدو سياسة التجويع في ولاية أراكان لإجبار من تبقى من السكان من مسلمي الروهنغيا على الخروج”.

وأضافت لي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية في جنيف “أن الجيش بدأ أيضا هجمات جديدة في ولايتي كاشين وكايين”، وأوضحت لي “إن الأعمال الوحشية ضد أقلية الروهنغيا المسلمين تحمل سمات الإبادة الجماعية“. ودعت المجلس إلى إنشاء كيان في بنغلادش ، التي فر إليها أكثر من 650 ألفا من الروهنغيا، لجمع الأدلة من أجل محاكمات محتملة.

وأبدت لي شعورها بالقلق الشديد من استمرار هذه الهجمات ومبينة أن الطريق إلى السلام يكون عبر حوار سياسي شامل وليس من خلال القوة العسكرية“.

ويؤكد المراقبون أن حكومة ميانمار تسعى إلى إتمام عملية البينونة الكبرى بينها وبين الروهنغيا، من أجل استحواذ البوذيين على قراهم، خوفا من انتشار الإسلام إلى القرى المجاورة.

سباق مع الزمن
بعد أن التهمت نيران الحكومة تلك الأكواخ البسيطة التي كانت ملاذا لأهلها من التقلبات المناخية، تقف فتاة قد تكون في الخامسة أو السادسة من عمرها، أمام فوهة بندقية أحد الجنود الذين حرقوا منزل عائلتها، صامتة لا تتكلم لتلقط الكاميرا عينيها العسليتين الناطقتين بدون أحرف، المعبرتين عن حسرة تملئ ذلك القلب الناصع بالبياض رغم لون البشرة الداكن، تروم الخوض في غمار لعبة الرحيل الوجهة مجهولة والطريق متاهة، والجموع المهاجرة تتجه إلى سنغافورة تارة التي أعلنت بدورها استقبالها للاجئين، وتسعى لحمايتهم وفق القوانين الدولية، لكنها لا تضمن اللحاق بالوقت لتوفير مخيمات تأويهم، بسبب دخول موسم الأمطار واستمرار وصول الفارين من الهجمات العسكرية، إذ أعلن كوبساك تشوتيكول أمين لجنة المستشارين الدوليين بشأن قضايا الروهنغيا في ميانمار في مؤتمر صحفي في سنغافورة “نحن في الوقت الراهن في سباق مع الزمن، بالنسبة لنا الأمطار الموسمية آتية، المخيمات التي تضم نحو مليون شخص غير مصممة لتحملها”.

وأضاف “ستكون هناك أعداد هائلة من الوفيات إذا لم تتحرك جميع الأطراف لتصل إلى نوع من التفاهم بشأن الترحيل والمساعدات”، تارة أخرى تشير البوصلة إلى بنغلادش التي دخلت في مسابقة مع الزمن لإعداد مساكن جديدة على جزيرة مجاورة قبل هطول الأمطار الموسمية.

وتشير رسوم توضيحية أعدتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن أكثر من مئة ألف لاجئ سيكونون مهددين بانهيارات أرضية وفيضانات في وقت الأمطار الموسمية، وعادة ما تبدأ الأمطار في أبريل نيسان وتبلغ ذروتها في يوليو تموز وفقا لهيئة الأرصاد الجوية في بنغلادش .

صدمة تؤدي إلى الشلل
سلسلة من المشاريع التنموية يرعاها الجيش أو الحكومة أو يتم تمويلها من القطاع الخاص، عدها مراقبون دوليون خطط هندسية ممنهجة تنفذها السلطات الميانمارية لتغيير الخريطة السكانية في ميانمار، هذه الإجراءات التعسفية ضد الأقليات واجهت رفضا دوليا عالي المستوى وبيانات استنكار وشجب، وبقي التنفيذ مشلولا واتخاذ المواقف العملية من قبل الكبار يعاني من مرض عضال افقده القدرة على النزول إلى أرض الواقع، كان إحداها الصدمة التي عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بسبب تصريحات قائد جيش ميانمار التي قال فيها “إن أقلية الروهنغيا ليس لها أي قواسم مشتركة مع باقي سكان البلاد وإن مطلبهم الحصول على الجنسية هو السبب في أعمال العنف التي وقعت في الآونة الأخيرة”، ودعا “كل قادة ميانمار لاتخاذ موقف موحد ضد التحريض على الكراهية وللترويج للانسجام بين المجتمعات”.

هل الدين هو السبب الرئيس لطرد الروهنغيا من ميانمار؟
عدة عوامل أخرى تشكل دافعا للأعمال الوحشية التي تواجهها أقلية الروهنغيا في ميانمار، تطرق إليها تقرير نشره موقع “ذا كونفر زيشن”، واعتبر التقرير أن الاختلافات الدينية والعرقية أهم الأسباب لكنها ليس الوحيدة، إذ تضاف لها عوامل أخرى خاصة وأن ميانمار هي موطن لـ 135 مجموعة عرقية معترف بها رسميًا (أُزيل الروهنغيا من هذه القائمة في عام 1982)، إضافة إلى الأسباب الجذرية للاضطهاد والاستضعاف والتهجير، يمكن اعتبار المصالح السياسية والاقتصادية المكتسبة عوامل مسهمة في التهجير الحاصل في ميانمار، ليس فقط للروهنغيا ولكن لأقليات أخرى مثل كاشين وشان وكارين وشين ومون.

كذلك الاستحواذ على الأرض ومصادرتها في ميانمار ظاهرة متفشية وليست جديدة منذ التسعينيات، إذ تستولي المجالس العسكرية على الأراضي من صغار الملاك في جميع أنحاء البلاد دون أي تعويض، وبغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الدينية.

يذكر أن الجيش صادر في ولاية كاشين أكثر من 500 فدان من أراضي القرويين لدعم التنقيب الشامل عن الذهب، وقد أدت تلك التنمية إلى تشريد الآلاف قسرًا داخليًا وعبر الحدود مع بنغلادش والهند وتايلند، أو اضطرتهم إلى الهروب عبر البحر إلى إندونيسيا وماليزيا وأستراليا.

الفيس بوك ومواجهة الإسلاموفوبيا
كان لفيس بوك يد في القضية من ناحية التصدي لعمليات التحريض على العنف ضد الأقليات، التي تقوده جيوش حاكمة ميانمار الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي تسلب فيه الحقوق وتصادر الحريات، وتساهم في زرع الكراهية بين أبناء دولتها، المتحدث باسم فيسبوك قال: “نحن لا نريد أن يُستخدم فيسبوك لنشر الكراهية والتحريض على العنف”، معبرا عن امتنانه لمجموعات المجتمع المدني التي كانت تساعدهم في “ميانمار” على مدار السنوات الماضية للتصدي لهذا النوع من المحتوى، ويعتبر التهديد للمسلمين في كل بلدان العلم ظاهرة ليس وليدة التطورات الحالية، وإنما هي متجذرة في المجتمعات بسبب الاختلافات العرقية والطائفية بين الأفراد وعدم تقبل الآخر، إذ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً للصحافية يونيت جوزيف، تقول فيه “إن رسائل مجهولة المصدر أرسلت من خلال بريد الدرجة الثانية، وصلت خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى ما لا يقل عن 6 مجتمعات في إنجلترا، تهدد مستلميها بتعذيبهم، والاعتداء عليهم بمختلف الطرق، مقابل نقاط تُمنح لمرتكبيها، في الوقت نفسه أعلن مسؤولون في بنغلادش أن السلطات المحلية منعت شركات الاتصالات من بيع خطوط هاتفية وخدمات اتصال للاجئين، بزعم وجود أسباب أمنية، وقالت وزيرة الدولة لشؤون الاتصالات تارانا حليم إن القرار الذي اتخذ بفرض حظر الاتصالات على أقلية الروهنغيا له مبرراته الأمنية حسب زعمها، وقالت حليم:”لقد اتخذنا خطوة (باستقبال الروهنغيا) لأسباب إنسانية ولكن يجب عدم تعريض أمننا للخطر”.

الغرب والهيمنة الفكرية
يرى الغرب ان الإسلام عدوّاً امنهم وقومياتهم، إذ إن الديمقراطية الغربية تسعى إلى الهيمنة الفكرية والثقافية على العالم بينما الثقافة التي تنافسهم في ذلك هي الثقافة الإسلامية وهي العقبة أمام هدفهم، وهم استطاعوا حتى الساعة تشويه هذه الصورة وذلك لأن الشعوب العربية والمسلمة مكبّلة تحكمها حكومات ديكتاتورية فاسدة، تعطي صورة قبيحة عن الإسلام، وتشارك القوى الاستعمارية في مشاريعها المعادية للإسلام.

شارك

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.