“إبادة الروهينجا”..8 سنوات مضت والعدالة لا تزال غائبة

أعداد من الروهينجا خلال فرارهم من أراكان جراء الإبادة باتجاه حدود بنغلادش في 19-7-2017 (صورة: Reuters)
أعداد من الروهينجا خلال فرارهم من أراكان جراء الإبادة باتجاه حدود بنغلادش في 19-7-2017 (صورة: Reuters)
شارك

وكالة أنباء أراكان | خاص 

مرت ثماني سنوات على الحملة العسكرية التي شنها جيش ميانمار ضد الروهينجا في ولاية أراكان غربي البلاد عام 2017، والتي وُصفت بأنها حملة إبادة جماعية، ومع اقتراب الذكرى الثامنة لمذبحة 25 أغسطس، يواجه الروهينجا شبح مذبحة جديدة على يد طرف آخر من أطراف الصراع، بينما لا تزال العدالة والمحاسبة غائبتين.

تأتي الذكرى السنوية عاماً بعد عام، ولا تغيب ذكريات الفظائع والمجازر عن أذهان الناجين الذين فروا بحياتهم بصعوبة بالغة، وتلازمهم الآلام كأنهم عاينوها بالأمس، فيما تبتعد أحلام العدالة والمحاسبة ضد مرتكبي “الإبادة الجماعية” التي شهدت كافة أشكال الانتهاكات الفردية والجماعية، وتسببت الإبادة في فرار نحو 700 ألف من الروهينجا إلى بنغلادش، ليصل عددهم حالياً إلى أكثر من مليون و100 ألف لاجئ.

خلال المذبحة، قُتل الآلاف من الروهينجا، أُحرقت القرى والمنازل، هُجّر السكان قسراً، تعرضت النساء لاعتداءات جنسية جماعية، وأُحرق الناس أحياء، كما استُهدف الفارون عبر الحدود بالقنابل والألغام والقصف الجوي، ولجأ الروهينجا إلى بنغلادش ظناً أن الأمر مؤقت، وأن العدالة ستتحقق، وأنهم سيعودون لوطنهم بعد فترة وجيزة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.

الملاحقة القضائية

فرار الروهينجا من أراكان جراء الإبادة باتجاه حدود بنغلادش في 2017 (صورة: Reuters)
فرار الروهينجا من أراكان جراء الإبادة باتجاه حدود بنغلادش في 2017 (صورة: Reuters)

بدأت أولى محاولات الملاحقة والمحاسبة لمرتكبي الإبادة ضد الروهينجا بعد عامين من المذبحة، حين رفعت غامبيا دعوى ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية في 2019، بدعم من 57 دولة عضواً في منظمة التعاون الإسلامي، متهمة ميانمار بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية.

ورغم اعتراض ميانمار، أصدرت المحكمة في 23 يناير 2020 أوامر باتخاذ تدابير احترازية لحماية الروهينجا والحفاظ على الأدلة، وفي يوليو 2023 رفضت المحكمة دفوع ميانمار بعدم اختصاصها، وأعلنت قبول الدعوى، لاحقاً انضمت تسع دول إلى القضية، بينها: أيرلندا، كندا، المملكة المتحدة، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، وهولندا.

في العام الماضي، وعلى الرغم  من أن الدعوى لم تُفضِ إلى محاسبة أي من الجناة، تجددت الآمال في نوفمبر 2024 عندما طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة اعتقال بحق قائد جيش ميانمار الجنرال “مين أونغ هلاينغ”، باعتباره المسؤول الأعلى عن الإبادة.

قائد جيش ميانمار "مين أونغ هلاينغ" (صورة: NBC news)
قائد جيش ميانمار “مين أونغ هلاينغ” (صورة: NBC news)

وخلص تحقيق المدعي العام إلى أن “مين أونغ هلاينغ” يتحمل المسؤولية الجنائية بشكل كامل عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ميانمار وأن الجرائم ارتُكبت من قبل القوات المسلحة بدعم من قوات الشرطة وقوات حرس الحدود ومدنيين من غير الروهينجا، وذلك وفق مجموعة واسعة من الأدلة تشمل شهادات حية وأدلة وثائقية ومقاطع فيديو موثقة.

وخلص التحقيق إلى أن “مين أونغ هلاينغ” يتحمل المسؤولية الجنائية الكاملة عن الجرائم ضد الإنسانية في ميانمار، التي ارتكبتها القوات المسلحة بدعم من الشرطة وحرس الحدود ومدنيين من غير الروهينجا، وذلك استناداً إلى شهادات وأدلة وثائقية ومقاطع مصوّرة.

ورغم التفاؤل والترحيب الواسعين اللذين لاقاهما طلب الاعتقال، لا تزال العدالة والمحاسبة لم تتخذ خطواتها الأولى.

إبادة جديدة

لم تتوقف معاناة الروهينجا عند أحداث 2017، إذ تواصلت موجات الفرار مع تصاعد نفوذ جيش أراكان (ميليشات بوذية لها أهداف انفصالية) منذ عام 2023، وتواجه الميليشيات هذه اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات خطيرة بحق الروهينجا تستدعي المساءلة الدولية.

"إبادة الروهينجا"..8 سنوات مضت والعدالة لا تزال غائبة
هياكل عظمية وجماجم جراء المذبحة التي ارتكبها جيش أراكان بحق الروهينجا (صورة: مواقع التواصل)

ومن أبرز الوقائع المنسوبة إلى ميليشيات أراكان البوذية، قتل نحو 200 من الروهينجا الفارين من المعارك باتجاه حدود بنغلادش، عبر استهدافهم بالمدافع والطائرات المسيّرة في أغسطس 2024، ما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بينهم نساء وأطفال.

كما شهد الشهر الجاري اكتشاف جماجم وعظام يُقال إنها تعود لأكثر من 600 شخص من الروهينجا، قُتلوا على يد ميليشيات أراكان البوذية التي أحرقت عدداً منهم أحياء خلال هجماتها على مدينة “بوثيدونغ” العام الماضي”، وفق شهادات لناجين ومنظمات حقوقية.

ويعيش الروهينجا تحت حكم ميليشيات أراكان حياة بائسة تدفع كثيرين منهم يومياً للفرار إلى بنغلادش، حيث تجاوز عدد اللاجئين هناك المليون، كما تورطت الميليشيات في التنسيق مع عصابات تهريب البشر، التي تتقاضى مبالغ مالية من الروهينجا مقابل السماح لهم بالمغادرة.

وفي تقرير حديث، اتهمت “هيومن رايتس ووتش” الميليشيات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الروهينجا في أراكان شملت التمييز والنهب والاعتقال والتجنيد والعمل القسريين، وانتهاج سياسات قمع ضد الروهينجا مشابهة لتلك التي فرضت عليهم لفترة طويلة من قبل جيش ميانمار.

"إبادة الروهينجا"..8 سنوات مضت والعدالة لا تزال غائبة
قرويون يفرون من القتال بين جيش ميانمار وجيش أراكان قرب الحدود بين ميانمار وبنغلادش، 6 فبراير 2024 (صورة: AP)

ووفق شهادات حية أدلى بها ناجون لمنظمة “فورتيفاي رايتس”، ارتكبت ميليشيات أراكان البوذية انتهاكات واسعة بحق الروهينجا في الولاية شملت الاحتجاز والتعذيب والقتل وقطع الرؤوس خلال العامين الجاري والماضي، وأكد تحقيق المنظمة أن الميليشيات ارتكبت انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب ضد الروهينجا في مراكز الاحتجاز، وطالبت المنظمة المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي تم ارتكبها بحق المدنيين الروهينجا.

وفي السياق ذاته، طالبت جماعات حقوقية روهنجية عديدة المجتمع الدولي بتصنيف الميليشيات كمنظمة إرهابية بسبب الانتهاكات الممنهجة الهادفة إلى ترهيب واضطهاد وتهجير الروهينجا.

نظرة للمستقبل

وبينما لا تزال العدالة بعيدة المنال، يعلق الروهينجا آمالهم على مؤتمر الأمم المتحدة المقرر عقده في 30 سبتمبر المقبل، في نيويورك، والمتوقع أن يبحث سبل حل الأزمة، وضمان عودتهم إلى وطنهم، وتعزيز الدعم الدولي المقدم لهم.

إحدى السيدات الروهنجيات داخل مخيم "كوتوبالونغ" للاجئين في "كوكس بازار" (صورة: أرشيفية من الإنترنت)
إحدى السيدات الروهنجيات داخل مخيم “كوتوبالونغ” للاجئين في “كوكس بازار” (صورة: أرشيفية من الإنترنت)

ومع استمرار غياب المحاسبة، تبقى خطط عودة الروهينجا حبراً على ورق، خاصةً مع انعدام الأمن والضمانات الكافية لسلامتهم، ومعاناة بقية الروهينجا في ولاية أراكان من الاضطهاد من قبل ميليشيات أراكان البوذية المسلحة المسيطرة على غالبية أنحاء الولاية.

وقد ظهرت محاولات عديدة لإعلان خطط للعودة، كان آخرها في أبريل الماضي حين أعلنت ميانمار تصنيف 180 ألفاً من لاجئي الروهينجا على أنهم “لائقون للعودة”، غير أن هذه الخطط اصطدمت بانعدام سيادة ميانمار الفعلية على الولاية، وعدم وجود خطط عملية أو خطوات ملموسة، فضلاً عن مخاوف الروهينجا أنفسهم من أن تكون العودة فخاً جديداً لهم.

وبين هذا وذاك، تبقى أنظار وآمال الروهينجا معلّقة بالمستقبل بعدما خذلهم الماضي، راجين أن تحمل لهم الشهور أو السنوات المقبلة وطناً يأمنون فيه، أو عدالة ومحاسبة لمنتهكيهم تتيح لهم أن يتركوا الماضي خلفهم ويبْنوا لأنفسهم ولأطفالهم مستقبلاً واضح المعالم”.

 

شارك

آخر الأخبار

القائمة البريدية

بالضغط على زر الاشتراك، فإنك تؤكد أنك قد قرأت سياسة الخصوصية الخاصة بنا.